سورة الواقعة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


قوله تعالى: {فلا أقسم} في لا قولان:
أحدهما: أنها دخلت توكيداً. والمعنى: فأقسم، ومثله {لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحشر: 29] قال الزجاج: وهو مذهب سعيد بن جبير.
والثاني: أنها على أصلها. ثم في معناها قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى ما تقدم، ومعناها: النهي، تقدير الكلام: فلا تكذبوا، ولا تجحدوا ما ذكرته من النعم والحجج، قاله الماوردي.
والثاني: أنَّ لا ردّ لما يقوله الكفار في القرآن: إنه سحر، وشعر، وكهانة. ثم استأنف القسم على أنه قرآن كريم، قاله علي بن أحمد النيسابوري. وقرأ الحسن: فلأقسم بغير ألف بين اللام والهمزة.
قوله تعالى: {بمواقع} وقرأ حمزة، والكسائي: {بموقع} على التوحيد. قال أبو علي: مواقعها: مساقطها. ومَنْ أَفْرَدَ، فلأنه اسم جنس. ومَنْ جَمَعَ، فلاختلاف ذلك. وفي {النجوم} قولان:
أحدهما: نجوم السماء، قاله الأكثرون. فعلى هذا في مواقعها ثلاثة أقوال.
أحدها: انكدارها وانتثارها يوم القيامة، قاله الحسن.
والثاني: منازلها، قاله عطاء، وقتادة.
والثالث: مغيبها في المغرب، قاله أبو عبيدة.
والثاني: أنها نجوم القرآن، رواه ابن جبير عن ابن عباس. فعلى هذا سميت نجوماً لنزولها متفرقة، ومواقعها: نزولها {وإنه لَقَسَمٌ} الهاء كناية عن القسم. وفي الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عِظَمَهُ. ثم ذكر المقسم عليه فقال تعالى: {إِنه لقرآن كريم} والكريم: اسم جامع لما يحمد، وذلك أن فيه البيان، والهدى، والحكمة، وهو مُعَظَّم عند الله عز وجل.
قوله تعالى: {في كتاب} فيه قولان:
أحدهما: أنه اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس. والثاني: أنه المصحف الذي بأيدينا، قاله مجاهد، وقتادة.
وفي {المكنون} قولان:
أحدهما: مستور عن الخلق، قاله مقاتل، وهذا على القول الأول.
والثاني: مصون، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} من قال: إنَّه اللوح المحفوظ. فالمطهرون عنده: الملائكة، وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير. فعلى هذا يكون الكلام خبراً. ومن قال: هو المصحف، ففي المطهرين أربعة أقوال.
أحدها: أنهم المطهرون من الأحداث، قاله الجمهور. فيكون ظاهر الكلام النفي، ومعناه النهي.
والثاني: المطهرون من الشرك، قاله ابن السائب.
والثالث: المطهرون من الذنوب والخطايا، قاله الربيع بن أنس.
والرابع: أن معنى الكلام: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، حكاه الفراء.
قوله تعالى: {تنزيل} أي: هو تنزيل. والمعنى: هو منزل، فسمي المنزل تنزيلاً في اتساع اللغة، كما تقول للمقدور: قدر، وللمخلوق: خلق.
قوله تعالى: {أفبهذا الحديث} يعني: القرآن {أنتم مدهنون} فيه قولان:
أحدهما: مكذّبون، قاله ابن عباس، والضحاك، والفراء.
والثاني: ممالئون الكفار على الكفر به، قاله مجاهد. قال أبو عبيدة: المدهن، المداهن، وكذلك قال ابن قتيبة: {مدهنون} أي: مداهنون. يقال: أدهن في دينه، وداهن {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة وضعها الله حيث شاء. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، وكذا، فنزلت هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم} حتى بلغ {أنكم تكذبون}». وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني، قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بالحديبية على إثْرِ سماءٍ كانت من الليل. فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما المؤمن فقال: مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب». وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال.
أحدها: أن الرزق هاهنا بمعنى الشكر. روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {وتجعلون رزقكم} قال: شكركم، وهذا قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وكان علي يقرأ {وتجعلون شكركم}.
والثاني: أن المعنى: وتجعلون شكر رزقكم تكذيبكم، قاله الأكثرون. وذلك أنهم كانوا يمطرون، فيقولون: مطرنا بنوء كذا.
والثالث: أن الرزق بمعنى الحظ، فالمعنى: وتجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون، ذكره الثعلبي. وقرأ أبي بن كعب، والمفضل عن عاصم {تَكْذِبون} بفتح التاء، وإسكان الكاف، مخفَّفة الذال.


قوله تعالى: {فلولا} أي: فهلاَّ {إذا بلغت الحلقوم} يعني: النَّفْس، فترك ذِكرها لدلالة الكلام، وأنشدوا من ذلك:
إِذا حَشْرَجَتْ يَوْمَاً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ ***
قوله تعالى: {وأنتم} يعني أهل الميت {تنظرون} إلى سلطان الله وأمره. والثاني: تنظرون إلى الإنسان في تلك الحالة، ولا تملكون له شيئاً {ونحن أقرب إليه منكم} فيه قولان:
أحدهما: ملك الموت أدنى إليه من أهله {ولكن لا تبصرون} الملائكة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: ونحن أقرب إليه منكم بالعلم والقدرة والرؤية {ولكن لا تبصرون} أي: لا تعلمون، والخطاب للكفار، ذكره الواحدي.
قوله تعالى: {غير مدينين} فيه خمسة أقوال.
أحدها: محاسبين، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وابن جبير، وعطاء، وعكرمة.
والثاني: موقنين، قاله مجاهد.
والثالث: مبعوثين، قاله قتادة.
والرابع: مجزيين. ومنه يقال: دنِته، وكما تدين تدان، قاله أبو عبيدة.
والخامس: مملوكين أذَّلاء من قولك: دِنت له بالطاعة، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {ترجعونها} أي: تردُّون النَّفْس. والمعنى: إن جحدتم الإله الذي يحاسبكم ويجازيكم، فهلاَّ تردُّون هذه النَّفْس؟! فإذا لم يمكنكم ذلك، فاعلموا أن الأمر لغيركم.
قال الفراء: وقوله تعالى: {ترجعونها} هو جواب لقوله تعالى: {فلولا إِذا بلغت الحلقوم} ولقوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} فإنهما أجيبتا بجواب واحد. ومثله قوله تعالى: {فإما يأتينّكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} [البقرة: 38] ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت فقال تعالى: {فأما إِن كان} يعني: الذي بلغت نَفْسه الحلقوم {من المقربين} عند الله. قال أبو العالية: هم السابقون {فَرَوْحٌ} أي: فَلَهُ رَوْحٌ. والجمهور يفتحون الراء. وفي معناها ستة أقوال.
أحدها: الفرح، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: الراحة، رواه أبو طلحة عن ابن عباس.
والثالث: المغفرة والرحمة، رواه العوفي عن ابن عباس.
والرابع: الجنة، قاله مجاهد.
والخامس: رَوْحٌ من الغَمّ الذي كانوا فيه، قاله محمد بن كعب.
والسادس: رَوْح في القبر، أي: طيب نسيم، قاله ابن قتيبة. وقرأ أبو بكر الصديق، وأبو رزين، والحسن، وعكرمة، وابن يعمر، وقتادة، ورويس عن يعقوب، وابن أبي سُريج عن الكسائي: {فَرُوْحٌ} برفع الراء. وفي معنى هذه القراءة قولان:
أحدهما: أن معناها: فرحمة، قاله قتادة.
والثاني: فحياة وبقاءٌ، قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: معناه: فحياة دائمة لا موت معها. وفي الريحان أربعة أقوال.
أحدها: أنه الرزق، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أنه المستراح، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه الجنة، قاله مجاهد، وقتادة.
والرابع: أنه الريحان المشموم. وقال أبو العالية: لا يخرج أحد من المقربين من الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة، فيشمه، ثم تقبض فيه روحه، وإلى نحو هذا ذهب الحسن.
وقال أبو عمران الجوني: بلغنا أن المؤمن إذا قبض روحه تلقى بضبائر الريحان من الجنة، فتجعل روحه فيه.
قوله تعالى: {فسلام لك من أصحاب اليمين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: فسلامة لك من العذاب، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: تسلِّم عليه الملائكة، وتخبره أنه من أصحاب اليمين، قاله عطاء.
والثالث: أن المعنى: أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة. وقد علمت ما أُعدَّ لهم من الجزاء، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وأما إن كان من المكذّبين} أي: بالبعث {الضّالّينَ} عن الهدى {فنُزل} وقد بيَّناه في هذه السورة [الواقعة: 56].
قوله تعالى: {إن هذا} يعني: ما ذكر في هذه السورة {لهو حق اليقين} أي: هو اليقين حقاً، فأضافه إلى نفسه، كقولك: صلاة الأولى، وصلاة العصر، ومثله: {ولَدَار الآخرة} [يوسف: 109] وقد سبق هذا المعنى وقال قوم: معناه: وإنه للمتقين حقاً. وقيل للحق: اليقين.
قوله تعالى: {فسبح باسم ربك} قد ذكرناه في هذه السورة [الواقعة: 74].

1 | 2 | 3